أقلام حرة

الحراك الشعبي.. ارادة التغيير في مواجهة مجموعات المصالح..

يبدو ان الفِرَقَ قد اجتمعت على الحراك الشعبي من أجل إيجاد مخرج يوافق رؤيتها لارؤية الشعب ولذا تعمل هذه الفرق جاهدة على تشتيت نظر الحراك والالتفاف عليه رغم أن الالتفاف أصبح صعبا لأن محيط دائرة الوعي أصبح كبيرا جدا ومن الصعب تجاوزه وخاصة بتصدر النخب لمشهد الحراك والعمل على الاستفادة القصوى من تجارب الماضي -العشرية السوداء- والحاضر -الربيع العربي-
وتوزعت هذه الفرق إلى أربع رئيسية لكل منها غاية بعيدة تماما على ما يطلبه المتحركون في شوارع الجزائر وساحاتها كل يوم جمعة، والشيء الوحيد الذي يجمعها هو كيف يدير كل واحد منها دفة الحراك لصالحه ليضغط على الآخر من أجل تحقيق تنازلات تمكنه من تصدر مشهد ما بعد الحراك إذ يجب أن ننتبه إلى نقطة مهمة قبل أن أتطرق بشيء من التفصيل للفرق الأربعة، وهي أن المتصارعين لا زالوا لحد الساعة يعتبرون الحراك الشعبي مجموعات من المغرر بهم مدفوعون من طرف جهة للإطاحة بأخرى، وليس في قاموسهم لحد الساعة شيء اسمه وعي شعبي ولذا نراهم يستغلون مؤسسات الدولة وكأنها ملكية خاصة إذ وصل الأمر إلى حد تمكن قوى غير دستورية من استلام مقاليد الحكم ببلد يزخر بالإطارات والنخب في شتى المجالات والذين للأسف رهنوا أنفسهم للفرق الأربعة وهي:
1- فريق الرئاسة: هذا الفريق والذي أصبح مكونا من قوى غير دستورية كما جاء على لسان أحد عناصر النظام القائم ممن يدرك جيدا أنه قد انتهى ولكنه لا يريد المغادرة إلا إذا ضمن نقطتين تمثلان له قضية حياة أو موت وهما:
– خروج مشرف للرئيس من خلال التسويق لآخر إنجازاته وأهمها المسجد الأعظم وتقديم استقالته على إثرها وبمحض إرادته، وهذه حسب رأيي لا يعترض عليها الحراك وممكنة التطبيق.
– عدم المتابعة لعائلة الرئيس من طرف سلطة ما بعد الحراك وهذا ما يفسر عدم استسلام هذا الفريق إلى أن يجد المخرج المناسب ولذا فهو في صراع مع الزمن ما جعله يجتزأ الحلول ويميعها كسبا للوقت ورهانا على حالة اليأس التي قد تتملك الحراك وبالتالي يقبل بأي تغيير حتى وإن كان منقوصا.
2- فريق الدولة العميقة: كيان موازي تغلغل في مفاصل السلطة ومؤسسات الدولة لأكثر من 25 سنة يملك الملفات وله أذرع سياسية ومالية وإعلامية متحكم جيدا بخيوط اللعبة ظاهره الجنرال توفيق وبعض الأحزاب والشخصيات وباطنه دولة داخل الدولة (هوية،أيديولوجيا،وتمثيل للوصاية الأجنبية) مع تقمص الشخصية الوطنية.
هذا الفريق همه الوحيد ضمان الرجوع للسلطة أو على الأقل التواجد في مشهد ما بعد الحراك.
3- الفريق القايد صالح: والذي يعرف اصطلاحا بالمؤسسة العسكرية، ولكن على ما يبدو أن القايد صالح لا يمثل المؤسسة العسكرية تمثيلا كاملا إذ بالأمس القريب كان أكبر حليف للفريق الأول -الرئاسة- وهذا ما ظهر جليا في البيان الأول والتحول الذي طرأ لم يكن من القايد وإنما يعكس إرادة قوية داخل المؤسسة العسكرية من خلال قيادات أركان الجيش ووزارة الدفاع والتي رأت أن العبور الآمن للبلاد في هذه المحطة الحساسة والحاسمة لن يكون إلا من خلال الانحياز لخيار الشعب ومطالبه لأن المؤسسة العسكرية تعاني أيضا من ضغوط إقليمية ودولية ومهمة حماية الوطن هي الأولى في أجندتها ، خصوصا وحدود البلاد ملتهبة في الشرق والجنوب وهذا ، ما انتبه له أيضا الحراك الشعبي والذي نادى بأعلى صوته ( جيش شعب خاوة خاوة ) وهذا نصرة للجيش كمؤسسة وليس كأشخاص. ويبقى على عاتق هذه المؤسسة ضمان الانتقال الديمقراطي كحامي للشعب ولخياراته وليس كفاعل في الحياة السياسية، وعلى الشعب فيما بعد أن يرد الدين للمؤسسة العسكرية، وهو اختيار سلطة جديدة تدعم هذه المؤسسة من خلال تطوير منشآتها وتعزيز تسليحها وإعطائها بعدا اقليميا ودوليا.
4- فريق الخارج: ويشمل مجموعة من الدول وأصحاب المصالح من الأجانب ( شركات ومؤسسات وهيئات دولية ) على اختلاف توجهاتهم ومصالحهم في الشأن الجزائري إلا أنهم يتفقون من حيث وضع سقف لمطالب الحراك ورسم حدود للسلطة الجديدة ولذا فهي تراقب الوضع عن كثب وستتدخل في الوقت المناسب موظفة عملاءها في الداخل، وتبريرها لهذا التدخل يكون بالتخويف من الإسلاميين أو مد يد العون والمرافقة باعتبار أن الجزائر من الدول النامية إذ لا يمكنها مواجهة الأزمة بمفردها، أو من باب الدفاع عن حقوق الإنسان في حال ما إذا شنت الدولة الجديدة حملة اعتقالات ومحاسبة الفاسدين.
ولكن الصورة الحقيقية هي تدخل لحفظ المصالح التي تنقسم عموما إلى ثلاث وهي:
أولا: فرض الهيمنة والتبعية الثقافية والسياسية والاقتصادية: وتمثلها فرنسا التي مازالت تعتبر الجزائر مستعمرة قديمة وهي حريصة دوما على دعم الفاسدين ورعايتهم داخل أروقة السلطة وتوفير الملاذ الآمن لهم ولعائلاتهم وأموالهم والحرص أيضا على إبقاء مناخ سياسي عكر ومعدوم من الشفافية والنزاهة وإعطاء الشرعية للانتخابات المزورة عبر الضغط على المؤسسات الدولية مقابل تمرير برامجها وأجنداتها وإخضاع الدولة لها وجعلها حديقة خلفية.
ثانيا: مصالح استراتيجية: بما أن الجزائر دولة ريعية وليس لها أي ثقل إنتاجي أو صناعي على المستوى الدولي فإن المصالح الاستراتيجية تتمثل في قطاع النفط والغاز وهذا ما يهم الولايات المتحدة الامريكية لتحكمها في آليات السوق الدولية لهذا القطاع، وعلى الرغم من ترويج البعض لأخبار وجود تنافس بين الولايات المتحدة وفرنسا على الجزائر إلا أنه لم ولن يكون حادا أو عميقا لأن هذه الدول تحترم العهود والمواثيق المبرمة بينها عند تقاسم التركة، على عكس الأنظمة العربية تماما.
ثالثا: مصالح تجارية: وفي صدارة هذه الدول روسيا وبدرجة أقل الصين ولكن يعتبر أصحاب هذه المصالح الأقل تأثيرا على سياسات الدولة حيث أن الذي يهمهم هو حصتهم في السوق الجزائرية ونصيبهم من النقد الأجنبي المكدس في الخزينة بسبب انعدام رؤية اقتصادية واستثمارية لدى المسؤولين في البلاد، اذ تعتبر روسيا أكبر مورد سلاح للجزائر وربما هذا ما يترجم زيارة لعمامرة لها بعد اندلاع الحراك الشعبي لتقديم ضمانات لها بالمحافظة على ما تعتبره حقها في الجزائر مقابل دعمها للجناح الذي أرسله.
ولكن يبقى صوت الشعب هو الأعلى إذ أن كل المؤشرات تدل على أن الجزائريين ماضون فيما خرجوا من أجله وهو الانعتاق التام من النظام الذي حكم لقرابة ستة عقود والذي انتهى بعقدين هما الأسوأ على الاطلاق تلخصا بالعهد البوتفليقي، ليرفع الحراك أربعة مطالب رئيسية ، من دونها سيستمر الحراك ولو طال كما ورد على لسان الكثير من المتحركين في الشارع ويمكن حصرها في ما يأتي:
1- تغيير رئِيسَيْ كل من مجلس الأمة والمجلس الدستوري وفق الآليات المعمول بها ، بشخصيتين مقبولتين شعبيا وتتوفر فيهما شروط النزاهة والمصداقية لقيادة المرحلة الانتقالية.
2- تشكيل حكومة كفاءات وطنية تضم جميع المكونات السياسية والفئات الشعبية.
3- تشكيل هيئة مستقلة للإشراف على الانتخابات وتنظيمها.
4- تعديل قانون الانتخابات بما يضمن نزاهة وشفافية العملية الانتخابية.
بعدها يتم الإعلان على شغور منصب رئيس الجمهورية إما بالمرض والعجز أو بالاستقالة.
وبالإصرار على هذه المطالب الأربعة يضع الحراك الشعبي أيضا الفرق الأربعة خلفه ما لم يتصدع جداره السميك، فما زال أمامه العديد من الخيارات للتصعيد وإسماع صوته ما توفرت الإرادة المتصاعدة للتغيير.

[author title=”الأستاذ هشام تواتي ” image=”https://hms-eloued.net/wp-content/uploads/2019/04/22491598_1507314456022298_3840696517711942531_n.jpg”]
رئيس المكتب التنفيذي الولائي بالوادي
حساب الفيسبوك[/author]

حمس الوادي

حركة مجتمع السلم أحد أكبر الأحزاب في الجزائر شعاره: العلم والعدل والعمل، تأسست هذه الحركة سنة 1990 أسسها الشيخ محفوظ نحناح تحت اسم حركة المجتمع الإسلامي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى