هل تخلّى المسلمون عن قضية فلسطين..؟!
يعيش العالم في السنوات الأخيرة أحداثاً وحوادث كثيرة ميّزت مسار حركة التدافع البشري، في نسق متسارع، نظرا لطبيعة العصرالذي يتميز كما هو معلوم بالسرعة التي طغت على كل مظاهره، ويغلب على هذه الأحداث والحوادث طابع الألم والقسوة، بل إن أكثر مشاهدها :الظلم والقتل والدمار ..
ويهمنا كمسلمين ما يقع لإخواننا أهل التوحيد من بلايا و رزايا ومحن هنا وهناك،.. وما أكثرها هاته الأيام، فلقد تكالب الغرب الظالم والصّليب الحاقد والصهاينة المعتدون على الإسلام والمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، ففي أطراف آسيا وأقاسيها يعاني إخواننا في بورما من ظلم البوذيين الذين حملوا شعار الإبادة وبشتّى الطرق لكل ما له علاقة بالإسلام، في ظل صمت رهيب من كافة أطراف المجتمع الدولي، الذي طالما تغنّى بحقوق الإنسان وادّعى الدفاع عنها !؟
وفي القارة السمراء يعاني المسلمون في افريقيا الوسطى، ونيجيريا والصومال، وفي كثير البلدان من الاضطهاد، والاحتقار والتقتيل، والأمر نفسه في أوربا فالناظر لأحوال المسلمين في الشيشان يُدرك حجم الظلم والقهر المُسَلّطان على المسلمين، وهو الأمر نفسه الذي عانى منه مسلمو البوسنه و الهرسك أواخر القرن العشرين حيث قام حَمَلَةُ الصليب بإبادة أعدادٍ كبيرة من المسلمين …
أما في فسطين فقد عانى –ويعاني- المسلمون الموَحِّدُون من تسلط كيان سرطاني صهيوني غاصب للأرض والعرض منذ نهاية القرن التاسع عشر، وشكّل الوضع المُزْرِي لإخواننا في أرض الإسراء والمعراج منذ زمن طويل..، موضوعا مُهمّا لدى غالبية مسلمي العالم، وأصبح ما يجري من أحداث وحوادث في فلسطين المحتلة بمثابة قضية المسلمين المركزية الأولى .
..غير أن قضية فلسطين عبر مسارها خلال هذه المدة ومنذ أربعينيات القرن الماضي وحتى سنة 2016م، عرفت هزات وتمَوُجَاتْ على صعيد الإهتمام والمتابعة، فالمسلمون وعلى مستوى الدولة القُطْريّة انشغلوا أو بالأحرى أُشْغِلوا بقضاياهم الداخلية التي أملتها الظروف المعيشية، وانصرفوا عن قضية المسلمين المركزية، وضعُف الاهتمام بما يحدث في فلسطين المحتلة، ولعب الإعلام دوره المُخزي حيث قام بتقزيم وتحجيم قضية فلسطين، وإخراجها من بُعدها الاسلامي العالمي لتصل في النهاية الى قضية الفلسطينيين لوحدهم .
إنّ ضعف الاهتمام بفلسطين وقضيتها العادلة، من الأهداف التي تسعى الحركة الصهيونية إلى تحقيقها، حتى تُحْكِمَ قبضتها على أرض الاسراء والمعراج، وضرب المسلمين في العمق، واخراجهم من دائرة الصراع وهو ما يتضح وقوعه في الوقت الراهن، فقد استغل الصهاينة عدة هوامل لتحقيق مآربهم وزيادة الشرخ وتغذية الانقسام منها: المال الفاسد ، والإعلام المُوَجّه، والتحكم في بعض الانظمة العربية التي قَبِلتْ وللأسف المساومات المُغرضة والهدّامة في الوقت نفسه…
…لكن هل يستمر هذا الوضع وهذه النظرة الضيقة لمسلمي العصر الحالي، وتعاطيهم بهذا الشكل مع قضية فلسطين، في حين أنه من الواجب والمفروض التجنّد التام وبكل الوسائل للتصدّي لمخططات بني صهيون، والتي أضرّت بالفلسطينيين وفتكت بهم، وتمادت في قطع أوصال الأرض الفلسطينية المحتلة عن طريق الاستيطان وتهويد الأرض والزمان والمكان، ومسخ الهوية وتزوير التاريخ..
على المسلمين الرجوع الى جادة الصواب والتفكّر في ما يجري في أرض فلسطين وإدراك حجم المسؤولية الملقاة على عاتقهم، وأنّ الأمر لا يعني أصحاب الأرض القاطنين فيها، ولا المُهجّرين منها فقط ، بل يعني جميع أهل التوحيد في أرجاء الأرض، فالانتماء الروحي والعقدي أقوى وأبلغ من الإنتماء الحسي والجسدي .
فقضية فلسطين للجميع بدءً من أحفاد الخطاّب ونور الدين زنكي والأيوبي ووصولا إلى أبناء بن باديس والإبراهيمي، وإخوان عبد الله عزام، وجميع من يتألم لحال الاقصى والقدس ويبكي لجراح فلسطين من النهر إلى البحر أو الشام الجنوبية التي تحمل عبق التاريخ ..
فالارتباط الحضاري والتاريخي والديني لا بد أن يتجسّد في مواجهة الكيان الغاصب الصهيوني بكافة الوسائل وعلى جميع المستويات : إعلامية ، اقتصادية ، سياسية ، والترفُّع عن الاختلاف والفُرْقَةُ ونبذ أشكال التشرذم ، ولا بد أن يصل بنو الإسلام إلى قناعة مفادها: أنّ تحرير فلسطين وتخليص الأقصى من أيدي الصهاينة واليهود الغاصبين، يمرّ عبر التعامل مع قضية فلسطين من زاوية الواجب والمفترض على أبناء الامة الاسلامية المُوَحّدة القيام به والتجنيد وتقديم الدعم ..كل الدعم خاصة في جانب الإعلام والتعريف بما يقع في فلسطين، وفضح أعمال المخربين الصهاينة، وتكوين جيل واعِ بمفاصل الصراع الصهيوني الإسلامي على أرض الإسراء والمعراج، جيل مسلم مُوَحدّ وجب عليه التداعي لتحقيق أسباب النّصْر والتمكين، وتعبيد طريق التحرير، الذي حتما لن يكون بعيدأ …ولن يكون طويلاً …؟!
[author title=”بقلم الاستاذ فاتح باهي ” image=”https://hms-eloued.net/wp-content/uploads/2019/04/13083231_998600990234116_894174384550310164_n.jpg”]أستاذ التاريخ بجامعة الوادي
حساب الفيسبوك [/author]