أقلام حرة

واقعنا اليوم :الحراك الشعبي دعوة للرقي الفكري

الحراك كلمة بديلا عن مصطلح الثورة التي توحي بالعنف والتطرف .. هو سمة المجتمعات البشرية وخاصيتها، وقد اتضحت خصائصه أكثر فأكثر في المجتمعات الديمقراطية الحديثة، حيث أنه نتيجة حتمية لتفاعل المجتمعات، أي التيار العام الذي يدفع طبقة من الطبقات أو فئة اجتماعية إلى تنظيم صفوفها بهدف القيام بعمل موحد.

هو دليل على سلميته وتحضره وما تشهده بلادنا اليوم أكبر دليل على أن الذهنية الجزائرية لم تعد تلك المعروفة بالشدة التي كانت تتميز بها !!

ومن ثم فإن الحراك ا إذا ما وجد في هذه الصورة المثالية فإنه يعد مؤشرا على أن المجتمع قد تجاوز النظرة التقليدية المحدودة التي تقدر الفرد في ضوء مكانته الموروثة واتجه إلى تقدير الأفراد في ضوء مكانتهم المكتسبة.

فالوطن اليوم على استعداد للانتقال إلى عهد جديد يتيح للفرد فيه أن يرتقي طالما صاريملك القدرات والكفاءات التي يرتقي بها، كما أن الحراك  في هذه الصورة المثالية يعد مؤشرا أيضا على حالة من العدالة في توزيع القيم وفي توزيع الفرص.

والحراك لاشك أن له أسبابه التي يترتب عنها كما أنه يأخذ عدة أشكال وأنماط، نخشى فقط من نمط التطرف الذي نتج عن تطرف مضاد وقد عشنا هذا النمط ميدانيا.

الشعب ضاق ذرعا فأراد أن يتنفس فتحرك

بعد أن توهم بعضهم أن الشعب في مختلف المناطق ومن مختلف الواجهات الفكرية والعمرية  قد طلقت السياسة ثلاثا خاصة بعد تلك العشرية (المسرحية الدموية )، وأن الشباب قد انتحر سياسيا واعتزل لاعبا وحتى مراقبا، جاءت أيام حبلى بما لم نتوقعه بخبر يقين فند كل ما سبق وبدد الأوهام جميعها، لدرجة أفل فيها نجم النخبة السياسية أمام شمس الحراك الشعبي الذي انطلق من رفض ترشح الرئيس المنتهية ووصل بسقف مطالبه إلى القطيعة التامة مع رموز النظام ، والإصلاح العميق على مستوى مؤسسات الدولة كافة.

ما تعريف وهدف الحراك بالضبط ؟

مما يذكره “شبرد” بالحراك  انتقال بعض الأفراد أو الجماعات من طبقة  إلى أخرى، أو انتقالهم داخل الطبقة  نفسها إلى شرائح مختلفة. وكذلك انتقال معظم أفراد الطبقة إلى وضع اجتماعي إنتاجي آخر .

بينما يعرف “هورتون” الحراك  بأنه عملية الحركة من وضع اجتماعي إلى آخر داخل البناء الاجتماعي، بمعنى تغير الوضع .

الحراك يعني التغيير فمالمقصود منه ؟

الحراك صرخة سلمية تعني  “التغير”  بين الحالتين القديمة والحالة الجديدة أو اختلاف الشيء عما كان عليه خلال فترة محددة من الزمن (بداية ونهاية)..

ويعتبر التغير  في ثقافة المجتمع نوعا من التغير الاجتماعي، سواء كان ذلك التغير في جانبي الثقافي أو الفكري.

 ويشمل العديد من جوانب المجتمع كما سمعنا ورأينا:

– العلاقات بين الأفراد والجماعات واختلاف الوظائف والأدوار

–  الأنظمة والقيم والعادات…

– نمط الحكم وسلوك الإدارة والإداريين…

 (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) قاعدة ربانية لدولة أهم مادة من مواد دستوره ” دين الدولة الإسلام “.

يعتبر التغير عند المجتمعات الراقية  ظاهرة اجتماعية مستمرة وملازمة  منذ القدم، مهما كان نوع هذه المجتمعات ؟

والتغير  الذي يحدث في المجتمعات اليوم لم يعد كله دون توجيه واع، إنما هو تغير مقصود وإداري يتم وفق خطط مدروسة، بل وتستحدث له مناهج ووسائل من أجل تحقيق التنمية بوجه عام.

كما أن المجتمع بطبيعته متغير، حيث يأخذ من الجيل السابق جوانب ثقافية ويضيف إليها تمشيا مع واقعه ، ومتطلباته المستجدة.

ما هي أسباب الحراك ودواعيه ؟

يتحقق الحراك  إذا ما توافر عدد من العوامل التي تساعد على حدوثه داخل البناء الاجتماعي ربما من أهمها :

  1. التعليم:

تأتي أهمية التعليم وتعلم أبناء المجتمع كأحد عوامل الحراك  لما تؤدي إليه نتائجه من التحقيق مستوى أرقى في التقدم العالمي ومن ثم تقدم اجتماعي وفرص عمل أفضل تعمل على تحفيز الفرد أو الجماعة بالانتقال بمجتمعهم من مكانة معينة إلى مكانة أخرى أو أعلى.

  1. التقدم التكنولوجي:

يتسم التقدم التكنولوجي كأحد عوامل الحراك الشعبي بفاعليته لما يحدثه من أثر إيجابي للحراك الاجتماعي، لأن الفرد الذي يمتلك الخبرات والقدرات التقنية يستطيع أن يتدرج في الهرم الوظيفي للارتقاء بذاته اجتماعيا واقتصاديا.

  1. الأيديولوجية السياسية والتحولات السياسية:

يعني ذلك أن النظام السياسي القائم على العدالة في توزيع القيم والفرص وتتوافر لديه مقومات المجتمع المتحضر التي تتيح للفرد أن يرتقي في هرم التدرج الاجتماعي طالما تملك القدرات والكفاءات المطلوبة، تاركا أولئك الأفراد المتعثرين في تنمية قدراتهم في درجات أقل في هرم التدرج.

وتعمل التحولات السياسية بمختلف أشكالها على جعل المجتمع في حالة أكثر ما تكون قابلة لإتاحة هوامش الحركة للأفراد والجماعات.

  1. معرفة العالم الخارجي وما فيه من تطورات:

تلعب  تلك المعرفة من خلال السفريات والإعلاميات  دورا كبيرا في الحراك الشعبي، حيث أنها ناتجة عن السعي لتحسين ظروف وأحوال الأفراد والجماعات اجتماعيا واقتصاديا لما توفره من خبرات على أحوال الغير.

قبل مغادرة المقال أود طرح أسئلة سريعة :

– هل سينجح هذا الحراك ولن يحدث الالتفاف عليه ؟

– هل فعلا أن العقل الجزائري اجتاز مرحلة المراهقة التي كان يتهم بها ؟

– هل فعلا سيحدث تغييرا بمنتوج محلي نابعا من ثوابتنا ؟

– هل ينجو الحراك من عملية سطو دخيلة عن أصالتنا ؟

لعل هذه الأسئلة -في تصوري- من أعمّ وأهمّ الأسئلة المتعلقة بالحراك الشعبي ، لكن الدافع  هو أن ننفض الغبار عن سبات طال أمده ، والسعي إلى مواصلة التغيير بخطى علمية متأنية  انطلاقا

من تجارب الغير ومكنوزنا التاريخي عبر تداول العديد لقيادة نظامنا بعيد عن العواطف و العجلة. فإذا كان المستبدون  الذين كنا نعتقد قد أحكموا سيطرتهم على مكنوز الأرض من ثروات وخيرات من مقدرات الشعب، فإن جيل اليوم أيقن أن لا سبيل لهم إلى أسر العقول وتقييد الأفكار وتكبيل النفوس التي تترقى وتتزكى بالاطلاع والاعتبار لتحقيق النهضة والتغيير. ولنسأل تاريخ الجزائر هل أغنى الاستعمارَ دباباتُه وطائراتهُ في مواجهة حلقات ابن باديس وكتابات البشير الإبراهيمي وغريهما عندما راحوا يبنون جيلا من الشباب الثائر فجَّر ثورة فكت القيود وحطمت الأغلال.؟

في الأخير

لا شك والحال هذه الأيام في واقعنا أن المتتبع للحراك الشعبي يمكنه أن يلاحظ بوضوح بل ويلمس أنه هو تلك الظاهرة الاجتماعية التي بمقتضاها ينتقل الفرد أو الجماعة من طبقة معينة إلى طبقة أخرى أو من مستوى اجتماعي واقتصادي محدد إلى مستوى اجتماعي واقتصادي آخر منشودا ، ويرتبط بهذا الانتقال تغير في مستوى ووظيفة وفكر الفرد والجماعة .

من جهة أخرى جدير بالذكر والتنبيه  أن الحراك الشعبي لا ينشأ من فراغ بل إنه كغيره من الظواهر الاجتماعية الأخرى له أسبابه التي يترتب ويحدث نتيجة لها وهذه الأسباب متعددة ما على القائمين على النظام اليوم أو غدا أن يضعها نصب عينيه…

[author title=”الأستاذ محرز شلبي” image=”https://hms-eloued.net/wp-content/uploads/2019/04/الأستاذ-محرز-شلبي.jpg”]https://www.facebook.com/mhrz.shlby[/author]

حمس الوادي

حركة مجتمع السلم أحد أكبر الأحزاب في الجزائر شعاره: العلم والعدل والعمل، تأسست هذه الحركة سنة 1990 أسسها الشيخ محفوظ نحناح تحت اسم حركة المجتمع الإسلامي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى