أقلام حرة

واقعنا اليوم : شباب الاستقلال وشباب الحراك

بدلا من أن أجعل عنوان المقال ( شباب الأمس وشباب اليوم ) رأيت انطلاقا من واقعنا اليوم أن يكون ( شباب الاستقلال وشباب الحراك ) لما له من أثر هذه الأيام.

عبارة رددناها ونرددها كم من مرة ؟ ، كما أنها تكون دائما المقدمة المفضلة التي يفتتح بها كل من أراد الإسهاب في نقد شباب اليوم (الحراك ) من خلال ما كان يتم تداوله عنهم من وصف السلبيات وأغلبها من حيث الشكل .

هل كان فعلا  وضع شبابنا من خلال ما نراه ونسمعه سيئا لهذه الدرجة؟!!

هل خيّب هذا الجيل فعلا آمال شباب الاستقلال  ؟!!.
أسئلة عديدة وأخرى لا تزيد شباب الحراك ربما  ( ولا أظن ) سوى تثبيطا  وحيرة.
أسئلة عديدة حولها، ونموذج منها في مثل هذا لحوار دار بين طرفين وبالمثال يتضح المقال:

يصعد الطالب للحافلة حاملا أوراقه بين يديه يتصفحها بين الفينة والأخرى يراقبه ذلك الرجل المنسوب لعهد الاستقلال  و يفاجئه بالسؤال:
-هل أنت طالب؟
يجيب الطالب بكل فخر:
-نعم طالب في الجامعة ..
تتغير ملامح الرجل فجأة فيبدأ في ترديد عبارات الحسرة على حال طلبة اليوم دون أن ينسى عبارتنا الخالدة ” بين شباب الاستقلال وشباب الحراك”، ثم يردد متمتما :
– ” لقد تغير كل شيء، طلبة اليوم لا يدرسون بجد، تربيتهم فاشلة، كثيرو اللهو وليسوا أهلا ليكونوا خلفا لمن قبلهم…
ثم يستمر في قائمة لائحة من الصفات والسلبيات جعلت ذلك الطالب وأمثاله ، يتساءل فعلا عن الذنب الذي اقترفه حتى يكون من مواليد هذا الجيل الذي يحمل كل هذه الصفات.! ”
وفي مشهد آخراجتمع شباب  آخرون و قرروا إقامة مهرجانات تنادي بالتحرر من العبودية السياسية والهيمنة الإدارية و….، بعد أن استمرت الاستعدادات لأيام وجمع متتالية ، كل منهم حاول أن يبذل قصارى جهده لإبداع أشكال جديدة ومفيدة من السلمية التي أبهرت العالم يستفيد منها شعبهم ، تحدوا إمكانياتهم وحاولوا إثبات وجودهم داخل وطن حُوِّل إلى زنزانة فكرية ، دُبّر لهم أن تزرع الخوف والخنوع في صفوف هذا الشباب المثقف الواعي المهان الذي صار متعطشا للانتحار في أعماق البحار، لكنهم تحدوا  لسياسة القمع، وأقاموا نشاطهم رغم كل الظروف، آملين أن يكونوا فخرا لشباب الاستقلال ، وأن يلقوا التشجيع الذي يستحقه ذلك العمل البسيط في شكله الرائع في مضمونه والذي أنتجته أياديهم، فما كان من بعض الأجيال السابقة مع الأسف إلا أن كانت السباقة لتحطيم ذلك الأمل، إلا أن البعض الآخر انطلقت مرددة عبارات السخرية من عصابة حاكمة مما آلت إليه دولتهم التي شهدت ما شهدت في زمنهم، ليكونوا بذلك جزءا من سياسة القمع بدلا من أن يدافعوا عن أبنائهم ويُصوّبوا هجومهم نحو الآلة القمعية الفكرية والاقتصادية والعلمية والتربوية التي ازدادت شراستها وتنوعت أساليبها عبر الزمن.
ذلك مثال من مجموعة  أمثلة إن لم نكن شاهدناها فقد عشناها اليوم جلية واضحة ..

يقول أحد شباب الحراك  : ” قرأنا عن شباب الأمس وعن المجد الذي صنعوه في عصرهم، فشعرنا بالفخر لكوننا سنكون خلفاً لخير سلف، مضينا قدُماً في الطريق التي سلكها من سبقونا، إلا أنها لم تكن نفس الطريق أو بالأحرى لم تعد كما كانت! بل صارت مجهزة بكل البرامج والآلات والنّظم والوسائل التي من شأنها إفسادنا وإزاحتنا عن الطريق، نودّ فعلا أن نصير مثلكم! أن نملك قوتكم! ونصنع مجدكم! ونكون فخرا لكم! إلا أن حربنا ليست كحربكم، صحيح أن عدونا واحد ألا وهو التجهيل والفساد والاستعباد ، لكنه طور أساليبه ليلاءم زمننا، فدعونا نطور أساليبنا كذلك لنلاءم زمننا ويوافق سلاحنا سلاحه، لا تطلبوا منا أن نكون نسخة عنكم، ولا تنتظروا منا أن ننهج نفس أساليبكم، لأننا بهذا سنظلم تاريخكم و نظلم حاضرنا… “

 شباب الحراك ومميزاته عن شباب أوهموه  بثمار الاستقلال!!

إنها تلك الميزة الرائعة التي نرصد حضورها وتواجدها القوي لدى شباب  الحراك وهي انجذابهم نحو المثالية في الأمور وتطلعهم نحو الأفضل والأرقى في كل شيء وهذه ميزة إيجابية وطيبة،  وفي المقابل فإنا نلاحظ أن الشخص الأكبر سناً من شباب الاستقلال الذي خبر الحياة وعاش الكثير من التجارب نراه بالغ في أن يكون أكثر واقعية وتكيفاً مع الظروف الاجتماعية أو السياسية أو الاقتصادية السائدة لدرجة المذلة .

ونحن هنا لا ندين المثالية بالمطلق ولا نقبل أو نمتدح الواقعية بالمطلق، فالمثالية، بما تعكسه من روح متحفزة نحو التغيير وهمة عالية تسعى للتجديد وتدفع نحو الإبداع والتغيير، هي شيء طيب وممدوح ومطلوب ولا بد من استثماره، فالروح الشابة هي التي غيرت وجه التاريخ وقادت الثورات الكبرى وكل عمليات التحرر، وأما المثالية الحالمة التي لا تقدر الظروف الموضوعية لأي حركة تقدم عليها أو خطوة تهم بها أو عمل تسعى إليه ولا تدرس إمكانيتها جيدا فإنها تقود إلى التهور والانتحار وهي تعيش في حالة من أحلام اليقظة ولذلك فإن المثالية الحالمة لا تقل ضرراً عن الواقعية الخانعة التي ترضخ للأمر الواقع وتداهنه متذرعة بعناوين شتى تبرر لها السكوت والاستسلام ومسايرة الواقع.

 ماذا نريد من شباب الحراك ؟

إننا في الوقت الذي لا نريد من شباب الحراك أن يعيش في عالم الأحلام بعيدا عن الواقع فإننا لا نريده أن يخضع لهذا الواقع ويستسلم له وتنهزم إرادته أمام تحدياته.

إن طموح الإنسان لا سيما الشاب لا بد أن يظل كبيراً وأمله بالتغيير لا بد أن يبقى يقظاً فيثق بنفسه وبقدراته ويتحرك في سبيل تحقيق طموحاته، والإنسان كلما كان طليعياً فإن طموحاته تكون كبيرة ولا يخفض سقف هذه الطموحات فله أن يتطلع ليكون شخصية  متحررة في هذا الوطن المسلم  الذي من أجل حريته قدم ثمنا باهظا كما قال تعالى في محكم كتابه موجهاً ومرشداً المؤمنين إلى كيفية الدعاء: «وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا» (الفرقان:74)

ووصية الإمام علي رضي الله تعالى عنه التي ما لها من قيمة في المعنى : «ارم ببصرك أقصى القوم» لأن الإنسان الطليعي لا يجلس حبيس فكره وهو يعيش حلم التغيير أو ينتظر ذلك ليأتيه بالمجان وإنما عليه أن يبادر إلى العمل في شتى الساحات الممكنة وأن يخطو ولو خطوات بسيطة فإنها مع الوقت قد تحقق البيئة الملائمة للتغيير…

نصيحة قلبية

فقط ننصح بالتدرج الواعي والمرحلية وهي من سنن الكون وفق نظرية خذ وطالب ، يقول الغزالي: (ومثال القليل الدائم كقطرات ماء تتقاطر على الأرض على التوالي فتحدث فيها حفيرة ولو وقع ذلك على الحجر ومثال الكثير المتفرق ماء يصب دفعة أو دفعات متفرقة متباعدة الأوقات فلا يبين لها أثر ظاهر).

إن معنى أن تكون واقعيا هو أن تقدر إمكاناتك وطاقاتك الواقعية وطنيا وعالميا دون مبالغة ثم تعمل على توظيفها في خدمة الوطن الذي تؤمن به دون أن تقفز في الهواء أو تراهن على الأوهام والسراب منتبها لما يحاك من مؤامرات  حاقدة حاسدة تنفذ بأيدي عميلة مأجورة لا هم لها إلا المغانم.

صرخة مدوية

إلى كل من يحمل همّ هذا الجيل الجديد! إلى كل من يعتصره الألم لما آل إليه “شباب اليوم”، إلى كل حرّ صنع تاريخا كان وسيزال مفخرةَ الأجيال! مُدّ يديك لأبناء هذا الجيل الجديد أينما كانت مهمتك ، اسمع لشكاويهم وادرس معاناتهم، كن خيرَ موجّه لشبابٍ أغرقهم زمنهم في بحور الحيرة والضعف، كن عونا لهم على زمانهم ولا تكن عونا للزمان عليهم…

دعوة لشباب الحراك

اعلموا أن الأمر ليس سهلا! ولكنه ليس مستحيلا أيضا، كل الآمال عليكم لتحملوا لواء التغيير، فلا تستكينوا! ولا تضعفوا  لملهيات عصركم ، ووعود عصابة طالما كانت وعودها سراب!

لا تستسلموا لما تسمعونه  من صفات وألقاب، إياكم أن تُخْتَرَقوا أيديولوجيا ، تمسّكوا بثوابت شعبكم ، فمضمون شباب الاستقلال لا يختلف عن مضمونكم ،الفرق بينكم  وبيهم في الغلاف فقط!

أما الجوهر فسيظل عازما على التغيير رافضا للفساد ومحاربا للآلة القمعية حتى آخر رمق.

[author title=”الأستاذ محرز شلبي” image=”https://hms-eloued.net/wp-content/uploads/2019/04/الأستاذ-محرز-شلبي.jpg”]https://www.facebook.com/mhrz.shlby[/author]

حمس الوادي

حركة مجتمع السلم أحد أكبر الأحزاب في الجزائر شعاره: العلم والعدل والعمل، تأسست هذه الحركة سنة 1990 أسسها الشيخ محفوظ نحناح تحت اسم حركة المجتمع الإسلامي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى