آخر الكلام: لماذا التوافق الوطني، وكيف؟
1⃣ التوافق الوطني تستدعيه مخاطر المستقبل.
– حرصنا في حركة مجتمع السلم على التوافق الوطني لأن الجزائر في أزمة اقتصادية ستتعقد أكثر عندما تظهر الآثار الاجتماعية بشكل أعمق خصوصا عند نفاذ احتياطي الصرف في بداية 2022 حيث يصعب تسديد أجور العمال وضمان تغطية الواردات خصوصا المواد الاستهلاكية الأساسية والمواد الأولية، وأي حكومة تكون معزولة وغير مسنودة من قوة شعبية وسياسية ونقابية لن تستطيع إدارة الأزمة ولن تصمد. فالمخاطر المستقبلية هي التي تستدعي التوافق الوطني، فهو تأطير سياسي لمعالجة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية المتصاعدة، لكي لا ينهار البلد، وهو طريق الإقلاع والنهوض.
2⃣ العلم يدعو إلى التوافق.
– كل الدراسات العلمية والتقارير الاقتصادية المحلية والدولية تؤكد أن الجزائر مقبلة على أزمة كبيرة، وكل التطمينات الشعبوية لا تنفع في المستقل. والأحزاب الجادة تبني رؤاها واستشرافاتها على العلم وعلى الأرقام والمؤشرات الرسمية التي تعلنها المؤسسات الحكومية والدولية، ولا تعتمد على “الغرائب” و “التنجيم” و عبارة “كاينة حلول” دون أي قدرة على الإقناع لطمأنة وتحفيز فواعل التنمية الحقيقية، كل عالم أو مطلع على المؤشرات العلمية يتمسك بالتوافق.
3⃣ التوافق تنازل على أساس رؤية نتحمل أعباءها معا.
أي حكومة مستقبلية ستتحمل تبعات الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي صنعها النظام البائد، وحتى وإن كانت راشدة ستحتاج إلى الاستقرار والوقت وموارد مالية لتمويل العمليات الاقتصادية، ولا يوجد أي حزب أو شخص يستطيع تحمل هذه الأعباء وحده. نحن في حاجة إلى تأجيل الطموح الحزبي والشخصي وأن نبتعد عن الصراع السياسي في هذه المرحلة وأن نتنازل لبعضنا البعض على أساس رؤية سياسية واقتصادية نتعاون جميعا على إنجاحها ونتحمل فيها التبعات معا، شعبا ونخبا ومسؤولين، بعيدا عن الابتزاز والضغط من أجل الوصول أو البقاء في السلطة، وبعيدا عن التآمر وعن الإكراه والسياسات الفوقية، ولا يتحقق ذلك إلا بالتوافق الوطني الهادف والصادق والشفاف.
4⃣ التوافق طريق بناء الثقة وتوفير بيئة النهوض.
التوافق هو الذي يساعدنا على أن نصارح الشعب بأننا في أزمة ولكن نبشرهم بأن الجزائر لها إمكانيات كبيرة، ولو توفر الحكم الراشد والوقت والاستقرار نستطيع ان نبني اقتصادا قويا نشيّد فيه المؤسسات الاقتصادية بكثرة وفي كل مجال وفي كل مكان بما يجلب فرص الشغل ويحسن المعيشة ويبني الوطن، و بناء الثقة هو ما يجلب المستثمرين من الداخل والخارج وتتدفق أموال كبيرة من خارج المحروقات تمول التنمية والاستثمارات الناجحة مثل ما وقع في العديد من الدول التي تطورت بعدما كانت تعيش أوضاعا مثلنا ( البرازيل، تركيا، ماليزيا، جنوب افريقيا، إسبانيا سابقا، العديد من دول أوروبا الشرقية وأمريكا الجنوبية).
5⃣ التوافق الوطني يضمن رشد الحكم وثقة المواطنين.
التوافق الوطني هو الذي يوفر شروط الحكم الراشد لأن وجود القوى الفاعلة معا يضمن الشفافية وافتضاح الفساد، كما أن صورة التوافق تُنزل السكينة لدى الشعب وتجعله أكثر ثقة واطمئنانا وصبرا على ضريبة التنمية في السنوات الأولى قبل ظهور ثمارها، سيحقق ذلك الاستقرار الذي يمنح الوقت لكي تفعل عمليات التنمية فعلها. إن الاستمرار في السياسات الشعبية دون بصيرة ومن أجل البقاء في الحكم سيكون وبالا على البلد حينما لا يتوفر الريع الذي يسمح بذلك، وستعود تلك السياسات بالوبال على أصحابها وعلى الجميع. من أهم الأسباب التي تجعل الشعب يتفهم تبعات التنمية في البداية هو مشاهدته لاجتماع مختلف النخب في الأحزاب والمجتمع المدني معا وتساوي الجميع دون استثناء في دفع الثمن مؤقتا، هذا الذي يجعل المواطنين يحرصون على العمل والإتقان والابتعاد عن السلبية والانتظارية والاتكالية.
6⃣ التوافق ممكن في أي وقت إذا احترمت الإرادة الشعبية.
يمكن أن يتحقق التوافق قبل الانتخابات الرئاسية وذلك أفضل، ولا يزال ممكنا، لأنه سيعرض على الشعب من خلال الانتخابات التي تتجسد فيها الإرادة الشعبية، أو بعد الانتخابات الرئاسية إذا كانت حرة ونزيهة أو قبل أو بعد انتخابات تشريعية مسبقة إذا كانت حرة ونزيهة، وعليه من شروط نجاح التوافق مهما كان وقته توفير الشروط السياسية التي تطالب بها الأحزاب والحراك الشعبي والتي نصت عليها وثيقة “عين بنيان” على سبيل المثال.أما اعتماد سياسة الأمر الواقع قد تهزم الشعب ولكن لا تصنع المواطن الحر الصالح المبدع المتمسك بوطنه المدافع عنه، المضحي من أجله. كما أن سياسة التعفين والانحراف للعنف مهما كان السبب سيعمق الأزمات ويجعل الخروج منها مستحيلا أو على حساب وحدة الوطن وسلامته.
7⃣ حركة مجتمع السلم أدت الذي عليها.
حركة مجتمع السلم استعدت علانية للتنازل عن طموحها الشخصي والحزبي إذا تحقق التوافق لأنها تعطي الأولوية للوطن ولأنها تثق بعد الله في نفسها بأنها قادرة على التنافس بعد عهدة توافقية، والزمن بعد إصلاح الوطن يسير في صالحها وفي صالح الأحزاب الوطنية الجادة والمسؤولة وذات الخبرة والتجربة. للأسف الشديد السلطة و الكثير من مكونات الطبقة السياسية والعديد من النخب لا يفهمون إلى حد الآن هذه الرؤية أو تغلبهم نفسياتهم وطموحاتهم، وعليه فقد أدت الحركة الذي عليها بعد أن دعت إلى التوافق الوطني بمختلف الوسائل ومع الجميع لفترة طويلة من الزمن. وسيبقى التاريخ يشهد على هذه الكلمات.
8⃣ النمط الأوسط هو سيد التوافق والتطرف عدوه.
الوسطية السمحاء هي طريق التوافق، وهي التي يحتاجها الوطن وتحتاجها الأمة، خصوصا في هذا الزمن الذي تغلب فيها النظرة الابتزازية التي اشتهر بها بن لادن وجورج بوش: ” إن لم تكن معي فأنت ضدي”، والخطر في هذه المرحلة يأتي من هؤلاء الإقصائيين الذين يريدون استئصال من يخالفهم من الجزائريين أيديولوجيا أو سياسيا أو جهويا، بما يهدد وحدة الوطن ذاتها مستقبلا لا قدر الله، والخطر الأكبر يأتي من فئتين كانتا دائما بلاء الجزائر: المتآمرون على الوطن لمصلحة القوى الأجنبية اقتصاديا و/أو ثقافيا، لا يرقبون في الجزائر والجزائريين إلاّ ولا ذمة، قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ، والانتهازيون الذين يصفقون لكل متغلب طمعا فيه أو خوفا منه، لا يصمدون في أي كفاح من أجل الحرية التي لا يكون الإصلاح إلا بها ويلبسون مواقفهم، أحيانا، لبوس الدين والهوية وهم أبعد ما يكون في حياتهم الخاصة عن ذلك، إذا حدثوا كذبوا، وإذا عاهدوا أخلفوا، وإذا خاصموا فجروا … وبين هاذين الصنفين الأمل في تحقيق التوافق موجود عند أغلب الجزائريين الذين لم تفسد الصراعات والأحقاد قلوبهم فبقوا على فطرة النمط الأوسط الذي يعود إليه الغالي ويرجع إليه الجافي كما قال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه.
عبد الرزاق مقري